responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 91
سَرَّهُ سَرًّا وسرورا. والضّراء كَذَلِك مِنْ ضَرَّهُ، أَيْ فِي حَالَيِ الِاتِّصَافِ بِالْفَرَحِ وَالْحُزْنِ، وَكَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا هُنَا لِأَنَّ السَّرَّاءَ فِيهَا مَلْهَاةٌ عَنِ الْفِكْرَةِ فِي شَأْنِ غَيْرِهِمْ، وَالضَّرَّاءَ فِيهَا مَلْهَاةٌ وَقِلَّةُ مَوْجِدَةٍ. فَمُلَازَمَةُ الْإِنْفَاقِ فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَحَبَّةَ نَفْعِ الْغَيْرِ بِالْمَالِ، الَّذِي هُوَ عَزِيزٌ على النّفس، قد صَارَت لَهُمْ خُلُقًا لَا يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ حَاجِبٌ وَلَا يَنْشَأُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ نَفْسٍ طَاهِرَةٍ.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ. وَكَظْمُ الْغَيْظِ إِمْسَاكُهُ وَإِخْفَاؤُهُ حَتَّى لَا يَظْهَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَظَمَ الْقِرْبَةَ إِذَا مَلَأَهَا وَأَمْسَكَ فَمَهَا، قَالَ الْمُبَرِّدُ: فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلْإِمْسَاكِ مَعَ الِامْتِلَاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَقْوَى الْقُوَى تَأْثِيرًا عَلَى النَّفْسِ الْقُوَّةُ الْغَاضِبَةُ فَتَشْتَهِي إِظْهَارَ آثَارِ الْغَضَبِ، فَإِذَا اسْتَطَاعَ إِمْسَاكَ مَظَاهِرِهَا، مَعَ الِامْتِلَاءِ مِنْهَا، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَزِيمَةٍ رَاسِخَةٍ فِي النَّفْسِ، وَقَهْرِ الْإِرَادَةِ لِلشَّهْوَةِ، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ قُوَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: الْعَفْوُ عَنِ النّاس فِيمَا أساؤوا بِهِ إِلَيْهِمْ. وَهِيَ تَكْمِلَةٌ لِصِفَةِ كَظْمِ الْغَيْظِ بِمَنْزِلَةِ الِاحْتِرَاسِ لِأَنَّ كَظْمَ الْغَيْظِ قَدْ تَعْتَرِضُهُ نَدَامَةٌ فَيَسْتَعْدِي عَلَى مَنْ غَاظَهُ بِالْحَقِّ، فَلَمَّا وُصِفُوا بِالْعَفْوِ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَظْمَ الْغَيْظِ وَصْفٌ مُتَأَصِّلٌ فِيهِمْ، مُسْتَمِرٌّ مَعَهُمْ. وَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِي نَفْسٍ سَهُلَ مَا دُونَهَا لَدَيْهَا.
وَبِجِمَاعِهَا يَجْتَمِعُ كَمَالُ الْإِحْسَانِ وَلِذَلِكَ ذَيَّلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَهَا بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مُحْسِنُونَ وَاللَّهُ يحبّ الْمُحْسِنِينَ.
[135]

[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 135]
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 91
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست